شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
بيان عظمة مخلوقات الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
من آيات الله تعالى.. مخلوقاتُه. في ثلاثة الأصول يقول الشيخ ابن عبد الوهاب اسم> رحمه الله: إذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: عرفته بآياته ومخلوقاته. وأعظم مخلوقاته: الليل والنهار، والشمس والقمر. وأكبر مخلوقاته: السماوات والأرض.
وكلها آيات، وكلها مخلوقات، فالشمس والقمر آيات ومخلوقات، والليل والنهار آيات ومخلوقات، والسماوات والأرض، والنجوم والرياح، ونحوها آيات ومخلوقات، والتفكر فيها دليل على عظمة مَنْ خلقها وأوجدها، فإن الخلق لا يستطيعون أن يخلقوا مثلها، لو اجتمعوا على أن يخلقوا مثل هذه الشمس التي تضيء على ما أشرقت عليه مع بُعْدِها، والتي تسير هذا السير الحثيث السريع؛ بحيث تقطع هذه المسافات كلها في أربع وعشرين ساعة، لرأوا عجبا.
وكذلك هذه النجوم من آيات الله التي احتج بها على عظمته، يقول الله تعالى: رسم> وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قرآن> رسم> وقال قتادة بن دعامة اسم> -رحمه الله- خلق الله هذه النجوم لثلاثة: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه من الدنيا، وتكلف ما لا علم له به.
فالله تعالى أخبر بالحكمة في خلقها زينة للسماء، قال الله تعالى: رسم> وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ قرآن> رسم> أي: بهذه النجوم، فإنها كالمصابيح، أي كالسرج، إذا كانت ليلة ظلماء في برية وهي صحو، رأيت هذه النجوم تضيء في السماء، ورأيت كواكبها منيرة لما تحتها، فهي زينة.
وكذلك جعلها الله رجوما للشياطين الذين يسترقون السمع، فإن الشياطين تصعد إلى السماء لتخطف الكلام، وتستمع من الملائكة ما يتحدثون به مما يأمر الله به، فيرسل الله عليهم هذه الشهب فتحرقهم. قال الله تعالى: رسم> إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ قرآن> رسم> أي: يخرقه ويثقبه، ويقول الله تعالى: رسم> وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ قرآن> رسم> أي: هذه الكواكب.
كذلك أخبر بأنه يهتدى بها، قال الله تعالى: رسم> وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ قرآن> رسم> يعني: هذه الجبال، ثم قال: رسم> وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قرآن> رسم> أي: يهتدون بهذه النجوم. وقال تعالى: رسم> وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قرآن> رسم> أي: تعرفوا بها المقاصد والجهات التي تتوجهون إليها، ففيها هذه الْحِكَم.
وأما الذين يجعلون طلوعها أو غروبها علامة على حدوث موت أو مطر أو غرق أو نحو ذلك، فإنهم يتخرصون، ويقولون ما لا يعلمون، فإن هذه النجوم مُسَيَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ، لا تملك شيئا، وليست هي التي تنشئ السحب، ولا ترسل الرياح، بل الرب تعالى هو الذي يتصرف في ذلك، لا يملكه غيره.
من آياته: هذه الرياح وهذه السحب، يقول تعالى: رسم> وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ قرآن> رسم> الرياح: هذه الهبوب التي يرسلها الله أحيانا عواصف، وأحيانا مبشرات تبشر بالخير وبالمطر وبالغيث بشرًا بين يدي رحمته رسم> وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قرآن> رسم> أي: تبشر بالخير لا يملكها إلا الله لو سكنت الريح ثلاثة أيام، يقول بعض العلماء: لأنتن ما على وجه الأرض؛ ولو حاول الناس كلهم أن يرسلوها إذا سكنت لعجزوا عن ذلك.
وهكذا.. لو أرسلها الله ريحا عاصفا لم يقدروا على أن يوقفوها، فإنه تعالى يرسل رياحا عاصفة قد تقلع الأشجار؛ ولو كانت كبيرة، وتهدم الدور والمساكن، وتهلك ما أتت عليه، كما أرسلها على عاد، قال تعالى: رسم> إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ قرآن> رسم> أرسل الله عليهم ريحا صرصرا رسم> فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ قرآن> رسم> لم يستطيعوا أن يتخلفوا، ولم يستطيعوا أن يردوها، ولا أن يخلصوا منها، فيرسلها الله تعالى ريحا عذابا، أو رياحا رحمة.
ورد في بعض الأحاديث: رسم> لا تسبوا الرياح، فإنها مُسَخَّرَةٌ رسم> نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سب الريح؛ لأنها مذللة، وأمر إذا عصفت العواصف أن يقول: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به.
كذلك أيضا نعرف عظمة الأفلاك العلوية، نعتقد أن ربنا سبحانه خلق سبع سماوات، بعضها فوق بعض، أخبر بذلك في كتابه، وأخبر به نبيه -صلى الله عليه وسلم- كما في قوله تعالى: رسم> وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا قرآن> رسم> وقال الله تعالى: رسم> وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ قرآن> رسم> أخبر بأنه جعل في السماء هذه الأفلاك.
وكذلك قال نوح: رسم> أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا قرآن> رسم> هكذا أخبر بأنه خلق هذه السبع السماوات، وأنه جعل القمر فيهن نورا، وجعل الشمس سراجا.
نعتقد بأن الشمس والقمر مخلوقان، وأنهما مسيران مسخران، سخرهما الله وذللهما، كما في قوله تعالى: رسم> وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قرآن> رسم> فالشمس والقمر دائبان، يسيران سيرا حثيثا، مركبان في أفلاك، وكذلك النجوم مركبة في أفلاك، تسير معلقة في أفلاكها، لا تخطئ موضعها الذي ركبها الله وسيرها فيه. فهذا معتقد أهل السنة.
في يوم القيامة أخبر بأن هذه الكواكب تسقط، قال تعالى: رسم> وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ قرآن> رسم> أي: تساقطت، وأخبر بأن الشمس تُكَوَّر: رسم> إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قرآن> رسم> أي طويت، فجعلت ككور العمامة، وذلك بانتهاء الزمان الذي قدر الله أنها تكون آية فيه.
هذا معتقد أهل السنة؛ وذلك لأن هذه الدنيا جعلها الله على هذه الهيئة، فيها هذا الليل وهذا النهار، والشمس والقمر، والسماء والأرض، والكواكب والأفلاك، وخلق على الأرض ما خلق من هذه المخلوقات، خلق الإنسان، وخلق الحيوانات، وخلق الأشجار، وكل ذلك جعله آية على عظمته، يستدل بها العاقل على عظمة من أنشأ ذلك وخلقه، ويعرف أن الخالق لهذه المخلوقات هو المستحق للعبادة وحده، وأنه الخالق، وما سواه مخلوق. فيستدلون بعظمة المخلوق على عظمة الخالق، فعظمة هذه الأفلاك وما فيها من العجائب، لا شك أنها تدل على عظمة من أنشأها وسيرها.
وأما في الآخرة، فإنها تنتهي، فينتهي ما خلقت له، ورد في الحديث الصحيح أنه: رسم> إذا جمع الناس يوم القيامة، يقول الله تعالى: لتتبع كل أمة ما كنت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت متن_ح> رسم> بمعنى: أنها تصور لهم الشمس؛ سواء كانت الشمس الحقيقية أو صورة لها، رسم> فيقال: هذا معبودكم الذي كنتم تعبدون، فيتبعونه ويتساقطون في النار رسم> الذين يعبدون الشمس والذين يعبدون القمر يتبعونه.
وهذا معنى ما روي أن: رسم> الشمس والقمر عقيران في النار رسم> بمعنى: أنهما يصوران لأهل النار؛ ليكونا ذلك أشدَّ لعذابهم، فيقال: هذا إلهكم الذي كنتم تعبدونه، هل ينفعكم؟ وهل يغني عنكم؟ كما أنها تصور لهم أصنامهم التي كانوا يعبدونها، قال الله تعالى: رسم> إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ قرآن> رسم> أنتم لها واردون: أنتم ومعبوداتكم، رسم> إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ قرآن> رسم> فمعنى ذلك أن أصنامهم تصور لهم، فتكون معهم في النار، فهكذا هذه الشمس تصور لهم، سواء كانت الشمس الحقيقية، أو أنها صورة لها.
وهكذا أيضا قال الله تعالى: رسم> احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا قرآن> رسم> يعني: الكافرين والمشركين، رسم> وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ قرآن> رسم> احشروهم وآلهتهم وآباءهم وما كانوا يعبدون من دون الله رسم> فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ قرآن> رسم> .
أخبر بأنهم جميعا ومعبوداتهم تدخل في النار رسم> احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا قرآن> رسم> أي يوم القيامة وآباءهم وأصنامهم ومعبوداتهم واقذفوهم في النار، وانظروا هل تنفعهم هذه الآلهة؟!
مسألة>